Photo of Girl at ATM from Shutterstock
"لم يعد تحول عمل المصارف نحو الاقتصاد الرقمي مهمًا فحسب، بل هو حتمي أيضًا. فالشركات في كافة أنحاء العالم تواجه التغيّرات الكبيرة التي تنجم عن نشوء مجتمع رقمي متكامل، وليس القطاع المصرفي استثناء في ذلك". هذا ما يقوله ديفيد هورتون، من بنك "مشرق" في دبي.
مع إدراكها لتزايد أهمية نظام مصرفي متطور للجوال والإنترنت، وقيمة إجراء التحويلات وتسديد الدفعات إلكترونيًا، بدأت المصارف الرائدة في الشرق الأوسط باتخاذ خطوات ملحوظة نحو استخدام أوسع للاقتصاد رقمي.
فقد افتتح عدد من المصارف في المنقطة فروعًا ذكية خلال الأشهر الماضية. في دبي، هناك Mashreq Go من "مشرق"، وهو فرع ذكي يمكّن العملاء من فتح حساب واستصدار دفتر شيكات وبطاقة إيداع في أقل من 30 دقيقة. وهو جزء من مبادرة المصرف الذكي التي أطلقتها مشرق "لننشئ مع عملائنا علاقة مصرفية مُجزية. ونهدف في مجمل ما نقوم به في رحلتنا للتحول إلى الاقتصاد الرقمي هو جعل تجربة العملاء المصرفية اليومية أكثر سهولة ومتعة"، كما يقول هورتون. وحسب قوله فإن "كافة جوانب هذه المبادرة، من الفروع الذكية إلى المنصات المصرفية للجوال والإنترنت، متساوية في الأهمية".
في لبنان، افتتح "بنك بيروت" أول فرع ذكي له، يتعرف إلى صورة وتوقيع العميل، ويتيح للعملاء فتح حسابات والحصول على بطاقة إيداع فورًا، وتسديد أقساط الجامعة، وتحويل الأموال على مدار الساعة. وقبل عامين تقريبًا، افتتح بنك عودة منصة "نوفو"، وهو مقصورة ذكية تهدف إلى جعل العمليات المصرفية خاصة وشخصية. ومن جهته، افتتح "بنك الاستثمار السعودي" SAIB صرافات آلية بمساعدة عن طريق الفيديو.
إلا أن معظم الجهود والمبادرات تنصب في المجال المصرفي للجوال، حيث أطلقت عدة مصارف تطبيقات جديدة وأكثر شمولًا للقيام بالعمليات المصرفية عبر الهواتف الذكية. وتتضمن اللائحة "ستاندرد تشاترد" في الإمارات العربية المتحدة بتطبيق Breeze الحائز على جوائز، وبنك مشرق بالتطبيق ذي الاسم الذكي Snapp الذي يسهّل ويسرّع العمليات المصرفية، وفرانسَبنك. أما بنك دبي الوطني EmiratesNBD فقد خصص تطبيق smartBUSINESS الذي أطلقه، للشركات بحيث يسهل عليها إجراء الحوالات وتسديد الدفعات.
وفي حين أطلق بنك مشرق، بالشراكة مع ماستركارد، المحفظة الإلكترونية "نقودي" لتسهيل الدفع على الإنترنت، يخطط المصرف المركزي في الأردن لمحفظات إلكترونية بطريقة مبتكرة لا تشترط على المستخدم امتلاك حساب مصرفي أو هاتف ذكي، إذ سيكون أي هاتف خليوي كافيًا.
ويمثّل إلغاء الحاجة لبطاقة الائتمان أو الإيداع الاتجاه الأكبر، على ما يبدو، في الاقتصاد الرقمي، وقد بدأت بعض المصارف العمل على ذلك. فقد أطلق Credit Bank في لبنان خدمة MasterCard Contactless Sticker ، التي تحول أي غرض شخصي، وبشكل رئيسي الهواتف الذكية، إلى بطاقة مصرفية. وفعل بنك مشرق الأمر نفسه بلصاقات Tap n Go .
بدوره، سعى بنك عودة إلى مواجهة "التحديات الجديدة والعوامل الخارجية العديدة التي تؤثر على البيئة المصرفية، ولا سيما التغير في طبيعة السكان وذائقة المستهلك والابتكارات التكنولوجية التي يقدمها مُشغّلو شبكات الاتصال الجوالة وشركات تقديم الخدمات التكنولوجية"، كما تشرح رندة بدير، رئيسة مجموعة حلول التسديد الإلكتروني وخدمات البطاقات في بنك عودة. لذلك، قدّم بنك عودة خدمة Tap2Pay ، التي تهدف إلى "مواءمة تجربة المستهلك مع الاتجاهات الجديدة في السوق، والاستجابة لكافة حاجاته"، حسب قول بدير. وقد جعلت هذه الخدمة لبنان بين أوائل الدول في المنطقة التي تستخدم تسديد الدفعات عبر اتصالات الحقل القريب NFC "لتحويل الهواتف الذكية إلى بطاقات مصرفية". ويبقى أن نرى نسبة نجاح الخدمة في المستقبل.
Photo of Paying with NFC from Shutterstock
أسئلة يجب طرحها
ليس ما سبق إلا بعض المبادرات التي أُطلقت في المنطقة، فهناك خدمات مشابهة موجودة، وسيظهر غيرها مستقبلًا من دون شك. وتتفاوت هذه الخدمات في الأهمية والإمكانيات والجودة، إلا أن مستوى الابتكار الذي تقدمه مشكوك فيه. فالفروع الذكية وتسديد الدفعات بتقنية NFC خدمتان موجودتان عالميًا منذ زمن لا يستهان به، في عالم يُفترض أن يكون تطبيق الهاتف الذكي لكل مصرف أمرًا مفروغًا منه، لا سيّما بالنسب العالية لانتشار استخدام الهواتف الذكية في معظم دول المنطقة.
ولعل إحدى المشكلات الرئيسية التي يمكن ملاحظتها في معظم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي الشراكات الضعيفة. فمعظم الخدمات يقدمها مصرف واحد من خلال عدد محدود من الشركاء، وبكلفة مرتفعة غالبًا، ما يجعل تلك الخدمات أقرب إلى ميزات ترفيهية للتسلية منها إلى وسيلة للتحول إلى الاقتصاد الرقمي وتغيير الطريقة التي تتم بها التعاملات التجارية.
لا بد لهذه الخدمات، كي تقنع المستهلك، من أن تكون أكثر راحة وسهولة من الوسائل التقليدية بكلفة إضافية طفيفة. فهل تكفي هذه المبادرات لاجتذاب المستخدمين إلى الاقتصاد الرقمي؟ لعلها تفتح الباب لذلك بشكل لا بأس به، ولكنها غير كافية إطلاقًا.
ويبدو أن كبار العاملين في القطاع يوافقون على هذه النقطة، إذ يقول ديفيد هورتون: "ما زال القطاع المصرفي للجوال والإنترنت، في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، متراجعًا عن نظيره في الغرب، ولم يتلقَّ الاهتمام من بعض المصارف إلا قبل وقت قريب. فما زالت مصارف كبرى في المنطقة تستخدم تصميمات للإنترنت على الجوال كحل لإجراء العمليات المصرفية عبر الجوال، وهو أمر لا يقبله العميل الذي بات، اليوم، ينتظر تطبيقات خاصة بالعمليات المصرفية للاستفادة من وظائف هواتفهم الذكية".
وأضاف: "بما أن نسب انتشار الهواتف الجوالة في دول المنطقة هي من أعلى النسب في العالم، فعلى المصارف أن تكون رائدة في القطاع المصرفي الرقمي، لا أن تستنسخ ما يتم إنجازه في الغرب".
ثمة سبب لتحول العالم نحو الاقتصاد الرقمي، وهو أن القيام بالعمليات التجارية على الإنترنت أسهل وأسرع وأكثر جلبًا للربح. وإن التأخر عن دول أخرى في العالم في الزمن والجودة والبنية التحتية للخدمات سيواصل التأثير في الاقتصادات المحلية بشكل كبير.