المبادرات الذكية تحل محل المبادرات الإلكترونية: كيف نتجنب أخطاء العقد الماضي

رجوع
David Horton
أكتوبر 15 2014
تكنولوجيا
المبادرات الذكية تحل محل المبادرات الإلكترونية: كيف نتجنب أخطاء العقد الماضي
شارك هذا المقال

خلال الفترة الماضية، تصدرت كلمة "ذكي" SMART الكثير من عناوين الأخبار ومنها الخبر المتعلق بخطة السلطات السعودية لتحويل عرفات إلى "مدينة ذكية" والذي نُشِر على موقعنا ( 01government.com ) ( ) أثناء  موسم الحج قبل أيام. وفي أماكن أخرى حول العالم، قرأنا أخبارًا عن استخدام شرطة دبي لتطبيقات ذكية على نظارات غوغل لمكافحة الجريمة، واستخدام بلدية دبي لطائرات صغيرة دون طيار لإجراء مراقبة من الجو، وإعلان الحكومة الهندية عن خطتها الطموحة لإطلاق 100 (نعم، لم تخطئوا في قراءة الرقم) مدينة ذكية، بالإضافة إلى أخبار لا تُحصى من لندن وسان فرانسيسكو وملبورن وريو دي جانيرو وكيب تاون.

إن المسألة بالغة الوضوح: لقد دخلنا عقدًا يُعتَبر فيه "الذكاء" ركيزة أساسية لأي مشروع ابتكار قائم على التكنولوجيا، سواء كان ذلك في الشركات أو المدن أو الدول. ويأتي هذا العقد بعد عقدين من المبادرات "الإلكترونية"، التي يُرمَز لها بالحرف اللاتيني (e )، ولا سيَّما في القطاع العام.

خلال رحلة الحكومة الإلكترونية في المنطقة العربية وحول العالم، تعلَّمنا دورسًا عديدة من حالات النجاح والفشل. نتيجة لذلك، كلَّما قرأتُ أو سمعت بمبادرة ذكية، أطرح السؤال التالي: كيف يمكننا تجنُّب أخطاء حقبة "الإلكتروني" لنحقق أكبر نجاح ممكن في هذه المبادرات الذكية؟

والسؤال يشملنا جميعاً نحن المعنيين بالمساهمة في المبادرات الذكية، بمن في ذلك المسؤولون الحكوميون وشركات التكنولوجيا والابتكار الخاصة والمؤسسات الأكاديمية والبحثية، بالإضافة إلى المواطنين والمجتمع عمومًا.

وعلى سبيل تقديم أفكار محددة  كإجابة على هذا السؤال، فلنتذكر بدايةً أن مهمة أية حكومة تبقى ثابتة، وهي تقديم قيمة لمواطنيها، وهي قيمة يكن   التعبير عنها بصيغ عديدة منها ضمانتوفر  خدمات عامة عالية الجودة.

لقد اختلفت الحال اليوم عن تسعينيات القرن العشرين، فالمبادرات الذكية تُطلَق في حقبة "يواجه فيها قادة القطاع العام حول العالم تحديًا صعبًا في إنشاء حكومات تتمتع بالكفاءة في القرن الحادي والعشرين. وهم يواجهون ضغطًا مستمرًا لتوفير المزيد من الخدمات الجيدة لسكَّان يتزايد عددهم ويعيشون في المناطق الحضرية، ولإدارة مسائل معقَّدة، من عدم استقرار الاقتصاد الكلي إلى الصراعات الدولية، وذلك في ظل تلاشي الثقة بالحكومة، وازدياد التعقيد البيروقراطي وتناقص الموارد الطبيعية".[1]

وإذ أقول ذلك، أودُّ أن أطلق النقاش معكم بطرح التوصيات التالية، التي تغطي بعض المشكلات المرتبطة بالتكنولوجيا والسياسات فيما يخص أية مبادرة ذكية:

التكنولوجيا ليست العنصر الأهم!لا شك في أن التكنولوجيا هي الأداة الرئيسية في إطلاق هذه المبادرات ولكن التركيز على التكنولوجيا وحدها قد يكون خطيرًا. واقع الحال أن هذا كان سببًا رئيسيًا في فشل العديد من مشاريع الحكومات الإلكترونية في منطقتنا والعالم. وقد علمتنا تلك المشاريع الفاشلة أن نضع المشاريع الذكية في سياق التحولات المستمرة التي تحدث في الحكومات والمجتمعات، كما علَّمتنا أن نفكر في مشكلات غير تكنولوجية عديدة، منها مدى استعداد المؤسسات الحكومية والمواطنين للتعامل مع مشاريع من هذا النوع، والاستفادة من نتائجها. وكما يعبِّر منتدى الاقتصاد العالمي عن ذلك: "إن التكنولوجيا وحدها غير كافية لإنشاء حكومات ذكية وحديثة".[2] يجب ألا ننسى أن المجتمعات العربية تتباين كثيرًا، من حيث الظروف السياسية والاجتماعية-الاقتصادية، حيث تصل نسبة الأمية في بعض المجتمعات العربية إلى 40 في المئة.[3]

إشراك المواطنين:يشكل الوضوح والتشارك ميزتين أساسيتين للعالم الرقمي اليوم. ونحن نشهد اليوم فجوةً ملحوظة بين تطلعات المواطنين والمستوى الفعلي للأداء الحكومي حول العالم، وقد أثبت إشراك المواطنين في اتخاذ القرارات الحكومية فعالية وكفاءة في صياغة سياسات وخدمات الحكومات التي لبَّت -أو اقترب من تلبية- التطلعات الطموحة للمواطنين. ولعل ألمع الأمثلة على ذلك هو وسم #UAEBrainStormingSession في الإمارات، وهي حملة لمشاركة كافة المواطنين في العصف الذهني، وقد أُطلِقت بتغريدة، على موقع تويتر، لسمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس الوزراء وحاكم دبي. وفي منشور له على صفحة فيس بوك الخاصة به، دعا سمو الشيخ "كافة مواطني الإمارات للتفكير بشكل جماعي بحلول إبداعية" كي "نضع أفكارًا جديدة للصحة والتعليم". خلال أيام، طرح المشاركون في الحملة أكثر من 82 ألف فكرة واقتراح من خلال شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل إلكترونية أخرى، وتم الإعلان عن سياسات حكومية فعلية بناءً عليها.[4]

البيانات ثم البيانات ثم البيانات!وصفت نيل كرويس -نائب رئيس المفوضية الأوروبية المسؤولة عن الأجندة الرقمية- البيانات بأنها "بقيمة النفط لاقتصادنا" حين علَّقت على تقدير حجم القيمة الاقتصادية التي يمكن أن تخلقها البيانات بقيمة 70 مليار يورو سنويًا.[5] وإلى جانب قيمتها الاقتصادية، تُمكِّن مشاركة البيانات الحكومية  المواطنين من المشاركة ومساعدة الحكومات على الاستفادة قدرات الابتكار لديهم، من خلال التعاون لإيجاد حلول لتحديات مختلفة. ويمكن أن توضَع هذه الحلول على شكل تطبيقات ذكية أو توصيات سياسة مبنية على البيانات. خطة لندن الذكية SMART London Plan هي مثال ممتاز على هذا التعاون، حيث تُعتَبر "البيانات المفتوحة" ركيزةً أساسيةً للخطة.[6]

الابتكار والقيادة:فيما يلي مثال على الجانب المضيء في المنطقة العربية (ولدينا العديد من الجوانب المضيئة هنا): أكثر من 50 في المئة من عدد سكان المنطقة هم تحت سن الخامسة والعشرين.[7] رغم البطالة والمشكلات الأخرى المشابهة، يتمتع هؤلاء الشباب بحيوية كبيرة، ويشكِّل المتعلِّمون والقادرون على الابتكار بمعايير عالمية منهم نسبة معتبرة. يجب أن تنظر حكوماتنا وقادة مجتمعاتنا إلى المبادرات الذكية الحالية كفرص للاستفادة من قدرات الابتكار لدى الشباب لإيجاد حلول ذكية، والمساهمة في حل المشكلات العالمية التي تواجه البشرية اليوم، بدل أن تنظر إليها كمجرد استمرارية لاستهلاك واستخدام التكنولوجيا. إلا أن هذا التحوُّل يتطلب تغييرًا في الأولويات، فنسبة ما تنفقه حكوماتنا على البحث والتطوير من الناتج القومي الإجمالي أقل بكثير مما تنفقه بقية دول العالم. إذ تترواح النسبة في الدول العربية بين 0.1 في المئة و1 في المئة من الناتج القومي الإجمالي. في حين تنفق الدول المتقدمة أكثر من 2.5 في المئة من ناتجها القومي على البحث والتطوير.[8] وتكرِّس معظم الشركات الكبرى التي تعمل في منطقتنا (مثل غوغل وفيسبوك) نشاطها في المنطقة للمبيعات لا للبحث والتطوير. يجب أن يتغير هذا الوضع، ولدينا اليوم فرصة كبيرة لتحقيق ذلك.

يمكن النظر للمبادرات الذكية -حسب الأولويات والسياقات التي تحكمها- من زوايا متعددة. إلا أنني أعتقد أنها تمثِّل فرصة لنا لتعزيز الإدارة العامة في المنطقة العربية وفي مجتمعاتنا.

لا يمكننا اغتنام الفرصة التي تتيحها هذه الحقبة الذكية بتطبيق استراتيجيات وتكتيكات الحقبة "الإلكترونية" المنصرمة، وفيما ينشغل معظمنا في كيفية التطبيق الفعلي للمبادرات الذكية، لدي قناعة راسخة بأن علينا تخصيص جزء من مواردنا لابتكار وسائل جديدة لإتاحة الفرص. وآمل أن تكون هذه التوصيات الأربع مفيدة في تشكيل نقاشنا حول هذا الموضوع