كان يتمتع بجميع المزايا: كان مديراً عاماً في إحدى أكبر شركات التجارة الإلكترونية في العالم، راتب من ستة أرقام، تذاكر درجة رجال الأعمال لرحلاته الدولية بالإضافة إلى جميع المنافع الأخرى المرافقة للحياة المؤسسية.
ولكن بعد مضي 20 سنة على الحلم المؤسسي، أراد إلياس غانم التخلي عن حياة كان متأكداً من نجاحها لينتقل إلى "الجانب الآخر من المعادلة". كان جزءاً من القصة الكبيرة لسنوات طوال-قصة PayPal وVisa سابقاً- ومع ذلك كان جزءاً صغيراً من تلك القصة. وبهدف تلبية طموحاته وتقديره لذاته، أدرك أنه بحاجة إلى ابتكار قصة خاصة به.
في خلال سنواته الأخيرة مع PayPal ، عمل إلياس عن كثب مع العديد من رواد الأعمال وهم يجسّدون أفكارهم. "لطالما أذهلتني المشاعر التي يمنحني إياها رواد الأعمال هؤلاء-الحماس والرغبة في تغيير العالم. ولطالما كنت أغار منهم وأفكر: "روعة! إذا كانوا قادرين على تحقيق ذلك، أنا أيضاً قادر على ذلك على الأرجح". وعلى الرغم من سيطرة هذه الفكرة على ذهنه دائماً، لم يكن يتحلى بالشجاعة اللازمة للقيام بهذه الخطوة-إلى أن وصل إلى مرحلة في حياته الشخصية والمهنية أدرك فيها أن الوقت قد حان لهذه الخطوة، إما الآن أو أبداً! ويصف تلك المرحلة مازحاً: "بإمكانك تسميتها أزمة منتصف العمر". كما كان شعور "ردّ الجميل" يتآكله وكان يرغب في تقديم شيء لمنطقته الأم ولمجتمع رواد الأعمال في الشرق الأوسط.
ولهذا السبب في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2013 أخلى إلياس غانم مكتبه في PayPal وانتقل إلى Telr ، وهي بوابة دفع متعددة العملات تقدم تسهيلات لإدارة النقد بهدف تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم من إطلاق نشاطاتها على الانترنت.
الحياة بعد البيئة المؤسسية
أدرك إلياس، في يومه الأول كرائد أعمال، أن بطاقات الأعمال الخاصة به ومكتبه وحاسوبه وحتى هاتفه ليست بانتظاره في مكتب منظّم، كما كان الحال في جميع وظائفه السابقة. وعندما ذهب لشراء معدات المكتب التي يحتاجها، كان يجدر به تذكير نفسه بأن الميزانية محدودة. وفي سياق المقارنة بين الحياتين، قال إلياس: "في البيئة المؤسسية، تطلب الموارد ولكنك لا ترى الفاتورة. وإذا كانت الميزانية محدودة بعض الشيء، بإمكانك دائماً الحصول على ميزانية أكبر إذا كانت الحاجة مبررة".
ولكن هذه المسألة ليست بالضرورة جانباً سلبياً فيفسر إلياس قائلاً: "الاضطرار إلى الانتباه إلى الميزانية يعزز حس المسؤولية لديك ويحثّك على المشاركة الفعلية والفعالة والانخراط في الأعمال اليومية كونك تدرك التأثير المباشر".
وكانت الخطوة التالية تقتضي من إلياس بناء فريق. كان إلياس يعتمد على هيكلية قسم الموارد البشرية لتزويده بالموارد التي يحتاجها طيلة مسيرته المهنية. كان دوره يقتصر على توجيه طلب ومقابلة نخبة المرشحين وإبداء الموافقة النهائية. أوضح إلياس قائلاً: "تسير الحياة المؤسسية وفقاً لبنية أساسية محددة. أما رائد الأعمال، فعليه تأدية جميع الأدوار. إذا كنت بحاجة إلى توظيف أحد ما، عليك تولي جميع جوانب هذه العملية من الألف إلى الياء: تحديد الوصف الوظيفي والبحث والمعاينة والمقابلة وحتّى كتابة العقد".
ولم تكن رحلة ريادة الأعمال خالية من التضحيات. فقبل اتخاذ قرار بمغادرة PayPal وإطلاق Telr ، جلس إلياس مع زوجته وأولاده الأربعة المقيمين في لبنان ليفسر لهم غيابه في معظم الأوقات في السنة القادمة كونه يمضي معظم وقته في دبي لبناء Telr . "في نهاية المطاف، الشركة التي نبنيها شركتنا ولا يمكن إنجاحها من دون تضحيات شخصية".
لم يندم إلياس يوماً على قراره على الرغم من التضحيات وساعات العمل التي لا تنتهي ونمط الحياة الجديد، فيقول: "إنه نمط حياة مرهق، وهذا الإرهاق يسيطر على جسدك وذهنك". ويقرّ بأن ريادة الأعمال محفوفة بالمخاطر-فأنت بلا وظيفة في أي وقت إذا لم تنجح في تجسيد فكرتك-ولكنها محفوفة بالتشويق أيضاً. والتشويق مغر جداً بالنسبة إلى إلياس. "في الحياة المؤسسية، أنت تكافح للوصول إلى الترقية التالية. أما في حالة شرتك الناشئة، قد يكون الجانب الإيجابي هائلاً من حيث تثمين شركتك". وكان أفضل ما في الأمر بالنسبة إلى إلياس مقابلة رواد أعمال مثله يدركون قدرتهم على الاستفادة من خبرته ومن Telr ، بوابة الدفع للأسواق الناشئة التي انطلق على متنها مع بعض أهم المدراء التنفيذيين السابقين.
تعلّم مهارات ريادة الأعمال
منصب إلياس كمدير تنفيذي سابق منحه مهارة اتخاذ القرارات الصائبة والوضوح ولكنه تفاجأ حين أدرك أن المهارات التي طورها خلال مسيرته المهنية لم تكن كافية لخوض مغامرة في ساحة ريادة الأعمال. يصرّح إلياس قائلاً: "بعد مغادرة الحياة المؤسسية، كانت الأشهر الثلاثة الأولى صعبة. الأمر مشابه بتغيير الرياضة التي تمارسها، فتكون قد طوّرت عضلات مناسبة جداً للعبة كرة القدم ولكنها ليست العضلات التي تقتضيها السباحة. أصبح هدفي الآن أن أكون سبّاحاً ماهراً وبناء عضلات جديدة أمر صعب ومرهق جداً".
وفقاً لإلياس، تتألف مجموعة المهارات التي تقتضيها ريادة الأعمال من خمسة مقتضيات: 1) المرونة-عندما توظف شخصاً ما، لا يمنك أن تحدد له مسمى وظيفي ووصف وظيفي معينين لأن شركتك حالياً مؤلفة من فريق صغير ولا بد من أن يكون كل شخص تضيفه إلى هذا الفريق متعدد المهام ومرناً. 2) المجازفة-رغبتك في الانضمام إلى بيئة ريادة الأعمال غير نابعة من الاستقرار الذي تقدمه، بل نابعة من الرغبة في المجازفة واكتشاف جانبها الإيجابي. 3) التطوّر- لا شيء يبقى على حاله فيقول إلياس: "أنا أدير Telr منذ أكثر من ستة أشهر ونموذج الأعمال يشهد تطّوراً جذرياً كل يوم". 4)-الاستعداد للارتقاء بأعمالك-في الواقع، لا يستطيع رائد الأعمال الاعتماد على قوة العلامة التجارية لتحقيق مبيعات. المفتاح هو التسويق الذاتي، فيقول إلياس: "أنا أعرّف شخصاً ما يومياً إلى Telr ". 5)-الصرامة في معايير الإنفاق-كل دولار تنفقه مصدره ميزانية محدودة. كن مجنوناً في الابتكار وكن صارماً في الإنفاق.
نصيحتان نهائيتان
إلياس رائد أعمال منذ أقلّ من سنة ولكن رحلته قد علّمته أمرين أساسيين: أولاً، لا بد من أن يتألف الفريق من شخصين على الأقل فيؤكّد إلياس قائلاً: "لقد قابلت العديد من المدراء التنفيذيين الذين توّلوا إدارة شركتهم الناشئة بمفردهم-هذه مجازفة في منتهى الخطورة. لقد تسنت لي فرصة مقابلة "سيريش كومار"، إنه يتمتع بمهارات مختلفة ولكن يجمعنا الهدف نفسه". سيريش كان موظفاً سابقاً في PayPal أيضاً وهو الآن المؤسس المشارك والمدير المالي التنفيذي في Telr. يتوّلى سيريش المسائل المالية فيما يتولّى إلياس تطوير الاستراتيجية والمبيعات والأعمال. ووفقاً لإلياس، الخطر الثاني الذي لا بد من الحذر منه في ريادة الأعمال هو التمويل الذاتي حيث يختتم قائلاً: "الأموال التي تملكها تقيّدك إلى أبعد الحدود وبالتالي لا يمكنك تمويل طموحاتك إلا في حال كنت فرداً من عائلة روكفلر. المستثمرون الذين تؤمّنهم يأتون إليك حاملين معهم علاقاتهم وخبراتهم ونصائحهم وفرص أخرى".