نشوء صناديق التمويل الكبيرة

رجوع
Lara Chaaya
يونيو 03 2014
استثمار
نشوء صناديق التمويل الكبيرة
شارك هذا المقال

في آب/أغسطس من عام 2013 ، أعلن مصرف لبنان عن مفاجأة للنظام الإيكولوجي لريادة الأعمال برمّته، داخل لبنان وخارجه، بإصداره تعميمًا رسميًا جريئًا، يخصص مبلغ 400 مليون دولار أمريكي لتقليص نسبة مخاطرة الاستثمار بامتلاك الحصص في الشركات الناشئة اللبنانية. وبعد أشهر قليلة من هذا الإعلان، انتشرت الأخبار عن عدد من حملات جمع التمويل في المنطقة. إذ يُنتظر أن تنهي Silicon Badia مشروع Badia Impact Fund بمبلغ 30 مليون دولار مع نهاية هذا العام. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن فادي غندور، مؤسس آرامكس ورئيس مجلس الإدارة التنفيذي في ومضة، أنه أطلق حملة تمويل تهدف إلى الوصول إلى 75 مليون دولار. ولكن، حين سألنا عن حجم صندوق التمويل، رفضت ومضة الإجابة. من جهة أخرى، أعلنت "شركاء مشاريع الشرق الأوسط" MEVP عن آخر حملة تمويل لها، وهي حملة Impact Fund ، بمبلغ 50 مليون دولار. وتخطّط Berytech Fund لإطلاق حملتها الثانية للتمويل، بمبلغ مستهدف قدره 30 مليون دولار. وتخصص iMENA Holdings مبلغ 30 مليون دولار لتوظيفه، وتهدف إلى زيادة المبلغ. بِدَوره، كشف عمدة لندن بوريس جونسون عن خطط لإنشاء صندوق تمويل بمبلغ 166 مليون دولار لتشجيع رواد الأعمال في الشرق الأوسط بنشر مشاريعهم عالميًا.


ويقول عمر ساتي، المدير العام في DASH Ventures : "قبل عامين أو ثلاثة، ما كانت تلك المؤسسات لتفكر بجمع هذه المبالغ الكبيرة. ورغم عدم انتشار حالات البيع، كحالة مكتوب على سبيل المثال، أعتقد أن السبب في جمع الشركات لهذه المبالغ اليوم، هو أنها أثبتت قدرتها على توظيف هذه الأموال بشكل فعال. وفرص استثمار رؤوس الأموال موجودة. فهناك شركات تؤدي أداءً جيدًا، وتوظّف العديد من الأشخاص، وتجني عائدات متميزة، وتصنع منتجات حقيقية وتحل مشاكل حقيقية. ولذلك، أعتقد أن الشركات الكبرى ترغب في أن تثبت للشركاء المحدودين أنها الجهة المناسبة لجمع هذه الأموال وإدارة صناديق التمويل".

[مقتبس الصورة: أعتقد أن السبب في جمع الشركات لهذه المبالغ اليوم، هو أنها أثبتت قدرتها على توظيف هذه الأموال بشكل فعال.]

ويوافق خلدون تبازة، المؤسس والشريك المدير في iMENA Holdings ، أن أمام هذا السوق فرصًا كبيرة، وأنه "قادر على استيعاب مبالغ تصل إلى 500 مليون دولار"، ولكنه يرى أن المشكلة الرئيسية تكمن في توظيف الأموال.

جمع التمويل مقابل توظيف الأموال

يقول تبازة: "إن توظيف الأموال حسب سير الصفقات التي تولِّدها الشركات الناشئة في السوق، حسب رأيي، لا يسير بشكل جيد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما في أسواق مثل الولايات المتحدة. قد لا تكون الصفقات، التي تضمن رؤوس أموال كبيرة، كافية. ونحن في iMENA لا نحدُّ أنفسنا بالصفقات التي تأتينا من السوق، بل نميل إلى المبادرة، فنقوم ببناء شركاتنا والدخول في شراكات وصنع الاستثمارات".

وأضاف: "تم الإعلان عن العديد من صناديق التمويل مؤخرًا، ولكن توظيف هذا التمويل سيستغرق وقتًا طويلًا".

وتتفق سارة شماع من MBC Group مع تبازة، إذ تقول: "نعتقد أن هذه الأموال ستُستخدم في استثمارات ذات رؤوس أموال أكبر من المعتاد، وبشكل رئيسي للشركات الناشئة، في المرحلة الثانية، التي أثبتت أنها نموذجها التجاري ناجح، وأنها قادرة على اجتذاب العملاء. ولا نرى قصصًا كثيرة من هذا النوع في المنطقة حتى الآن، ونعتقد أن توظيف الأموال سيكون صعبًا على أصحاب المشاريع".

بِدَوره، يقلل داني فرحة، الرئيس التفيذي في BECO Capital ، من شأن المخاوف المتعلقة بتوظيف الأموال، ويقول: "إننا الآن نستثمر في مشاريع أكبر، قيمة الواحد منها 3 ملايين دولار، ونجهِّز لدورات تمويل قادمة للشركات المنضمَّة إلى حافظتنا، بالإضافة إلى استثمارات جديدة، في المرحلة الأولى، ولم تكن الحال كذلك قبل عامين".

ويتفق عدد من أهم العاملين في القطاع مع فرحة. إذ يؤكد وليد حنا، الشرك المدير في MEVP ، أن المؤسسة تشهد صفقات ذات مستوى أعلى بكثير مما كان في السنوات السابقة. ويرى حبيب حداد، الرئيس التنفيذي المؤسس والشريك العام في ومضة، أن السوق "ينضج، وكذلك مستوى رواد الأعمال".

ويعبر عمر ساتي عن هذا التفاؤل: "هناك صفقات لا يُستهان بها في المنطقة اليوم، وبوجود صناديق تمويل ورؤوس أموال جديدة، سيظهر المزيد من الصفقات في المنطقة". ويشرح أن نقص الصفقات في الماضي كان بسبب نقص التمويل، ما أدى إلى فقدان العديد من رواد الأعمال الواعدين الاهتمام بمشاريع جديدة. أما الآن، فقد تغيرت الحال، ويقول: "عوضًا من التحدث إلى 5 مستثمرين محتملين، نستطيع اليوم أن نتحدث إلى 10 مستثمرين أو 15 مستثمرًا".

يعتقد العديد من الناس أن هناك عجزًا في سير الصفقات، بسبب وجود فجوة في تطوُّر صناديق التمويل، على حد قول ساتي. حتى الآن، تمكنت الشركات الناشئة من الحصول على التمويل في مراحل مختلفة من دورة مشاريعها. ولكن ذلك ينتهي عندما تحتاج تلك الشركات إلى مليوني دولار أو 5 ملايين لتتوسع وتزيد من نموها. ويشرح ساتي قائلًا: "ما من صندوق تمويل في المنطقة قادر على توفير هذا المستوى من التمويل لهم، حتى الآن. وهذا هو الفراغ الذي ستملؤه صناديق التمويل الكبيرة". ويتفق حداد مع ساتي، إذ يعتقد كلاهما أن المشكلة كانت في جانب العرض (التمويل)، وما نراه اليوم هو أن العرض يتَّبع الطلب.

أثر التنافس في التمويل والاستثمار المشترك

مع ازدياد توفُّر التمويل في السوق لتلبية الطلب، قد يتساءل المرء عن أثر ذلك على العلاقة بين "مُقدمي العرض". يرى العديد من أهم العاملين في القطاع أن صناديق التمويل الكبيرة لن تؤثر مطلقًا على الاستثمار المشترك. بل يرى فرحة أننا سنرى المزيد من التعاون بين المتنافسين. ويقول: "عندما تكبر الصفقات، يصبح من المطلوب أن يصادق عليها عدد من الشركاء الموثوقين. وما زالت صناديق التمويل أصغر من أن تتولى دورات التمويل الكبرى وحدها".

وتقول شماع: "نعتقد أن الاستثمار المشترك مهم دائمًا لتقليص المخاطرة. ونحن نرى أن كل مستثمر جديد يضيف قيمةً محتملة إلى الشركة الناشئة التي يستثمر فيها، وتلك أهم من المال الصافي بكثير، ونعتقد أن الأمر سيبقى على هذه الحال".

ويوافق حنا على ذلك، إذ يقول: "لن يزيد الاستثمار المشترك ولن ينقص، لأن هذا النوع من الاستثمار ينشأ من تساوي حجم التعاملات المالية بين ممولي المشاريع، واستعداد الممولين لاقتسام المخاطرة ومضاعفة القيمة المضافة". ويضم تبازة صوته إلى صوت حنا، حيث يقول إن الاستثمار المشترك سيستمر في المستقبل "بسبب القيمة المُضافة التي يحملها المستثمرون إلى المشاريع، سواء كانت جغرافية أو خاصة بقطاع معين، لا بسبب نقص التمويل أو الحاجة للاستعانة بالمزيد من المستثمرين لدورة التمويل".

ولكن ساتي يرى العكس، ويعتقد أن حالات الاستثمار المشترك ستقل. ويشرح وجهة نظره قائلًا: "هذا النوع من التمويل منظَّم حسب معايير محددة، وأهم معيار من هذه المعايير هو العائدات. فالعديد من صناديق التمويل مُلزمة بتوفير عائدات للشركاء المحدودين، وهذا يعني أن صناديق التمويل ستحاول تحسين استثمارها عندما تُتاح الفرصة. وبالتالي، ستفضل الصناديق رفع العائدات إلى أقصى حد ممكن، عوضًا من الاستثمار المشترك ومشاركة العائدات. وبالتالي، مع امتلاك صناديق التمويل لهذه المبالغ الكبيرة، لن تكون لهم حاجة بتنويع مخاطرتهم المالية". ثم يضيف: "إن عدد الشركات الناشئة الجذابة حقًا أقل من عدد أصابع اليد. ولسوف تتنافس صناديق التمويل على تلك الفرص بالذات. لن تختفي الاستثمارات المشتركة، فالمنطقة صغيرة وعقلية المساعدة سائدة، ولكنها ستقل عن ذي قبل، وستصبح صناديق التمويل أكثر تنافسًا فيما بينها".

هل ستتأثر التخمينات بالتضخم؟

يبدو أن أهم العاملين في القطاع يحملون رأيًا مثيرًا للجدل بشأن أثر ازدياد حجم صناديق التمويل على التضخم. فعلى حد قول سارة شماع، بدأت التخمينات بالتضخم منذ الآن، ولكنها ترى أن الأمور ستعود إلى نصابها في نهاية المطاف. ويشاطرها حبيب حداد الرأي. في حين يرى وليد حنا أنه ما من مهرب من التضخم، فيقول: "إن ازدياد حجم صناديق التمويل يعني ازدياد المنافسة، وسيدفع ذلك بالتخمينات إلى الارتفاع".

ويعتقد عمر ساتي أن التضخم في التخمينات نتيجة طبيعية للتنافس بين صناديق التمويل. ويتوقع أن يكون المستثمرون مستعدِّين لدفع مبالغ أكبر للفوز بصفقة ما، ولكنه قلق أن التضخم سينتج "رواد أعمال طمَّاعين". ويشرح ذلك قائلًا: "عندما تتضخم التخمينات بشأن الشركات الناشئة الجديدة، سيبدأ مؤسسو تلك الشركات من رواد الأعمال بطلب تخمينات أعلى بكثير مما تستحق شركاتهم. وعندما يحدث هذا، لن تُعقد الصفقات، وسيتأذى النظام الإيكولوجي".

على جهة أخرى، يرى كل من داني فرحة وخلدون تبازة أن التضخم لن يترك أثرًا، ويقول تبازة: "يحدث التضخم في الأسواق الأنضج، ولا أرى ما قد يؤدي إلى تضخم التخمينات".

ماذا يعني هذا كله للمنطقة؟

يجد كافة المؤثرين في النظام الإيكولوجي أن ازدياد المبالغ المطروحة في التمويل تمثل خطوات إلى الأمام على طريق "تطوير اقتصاد التكنولوجيا في منطقتنا" حسب تعبير فرحة.

يقول وليد حنا، الشريك المدير في MEVP : "ستؤدي زيادة رؤوس الأمول إلى تقليص نسب المخاطرة بالفشل، حيث سيتمتع رواد الأعمال بالدعم المالي وسيراقب المستثمرون أداءهم". وهو يعتقد أن المنطقة ستشهد المزيد من فرص بيع الشركات والمزيد من المشاريع التي سيطلقها مغتربون ذوو خبرة.

إلا أن حنا والآخرين ينظرون إلى نشوء صناديق التمويل الكبيرة هذه بحذر. حيث تركز سارة شماع على الحاجة إلى استثمار هذه الأموال بحرص وبتخمينات معقولة، وتقول: "يجب أن يكون الهدف النهائي هو النمو والاستقرار بدلًا من بيع الشركات الناشئة فقط، فسوق المنطقة لا يشهد الكثير من حالات البيع".

ويختتم عمر ساتي بالقول: "كل النتائج التي نراها اليوم، بما فيها صناديق التمويل الكبيرة، هي نتائج طبيعية لتطور نظامنا الإيكولوجي للشركات الناشئة. وسنرى نتائج جيدة وأخرى سيئة. المهم هو أن نتعلم من دراسة الحالات التي أُقيمت في أسواق أخرى، كسيليكون فالي وسيليكون آلي، وأن نحرص على عدم تكرار الأخطاء التي ارتُكِبت في تلك الأسواق".