أصبح إنترنت الأشياء (IoT) عنصرًا حاسمًا في الصناعة الرقمية، حيث يقدّم خدمات واسعة لكلّ من المستهلكين والمصنّعين وذلك بفضل النموّ الكبير في الأجهزة الذكية.
وستكون كلّ الأجهزة تقريبًا متّصلة بالإنترنت في وقتٍ ما والأجهزة الأكثر شيوعًا التي يفكّر بها الناس هي الساعات والهواتف وأجهزة التلفاز الذكية. واعتبارًا من اليوم، يمكننا إضافة الثلاجات ووحدات التكييف والسيارات الذكية إلى القائمة. يحرص مصنّعو السيارات على الانضمام إلى مجال السيارات المتّصلة من أجل توفير خدمات مثل مزامنة الويب والتحديثات عبر الإنترنت (OTA).
من خلال تضمين وظيفة الواي فاي في السيارات، تقدّم شركات صناعة السيارات الآن خدمات مثل "أبل كاربلاي" (Apple CarPlay) وتكامل "أندرويد أوتو" (Android Auto)، وخرائط تحديد المواقع العالمية الحديثة ووظيفة البريد الإلكتروني والرسائل النصية وغيرها الكثير. ولكن، ما يهمّهم في الواقع هو الكمية الكثيفة للبيانات التي يمكن لهذه السيارات المتّصلة إنتاجها.
تقنية السيارات المتّصلة
تحتوي السيارات الآن مع تطور الأتمتة وتقنية السيارات المتصلة، على طنّ من التقنيات المتقدّمة مثل أجهزة الاستشعار والحواسيب والمعالجات المدمجة. وعلى عكس السيارات غير المتّصلة، يصبح المحتوى عبر الإنترنت متاحًا بسهولة، ويحافظ على حداثة السيارة واتصالها في كلّ الأوقات.
يمكن أن يحصل السائقون بفضل هذه التقنية، على الترفيه حسب الطلب وإمكانية اتصال المركبة، في حين تتمكّن الشركات المصنّعة في الوقت نفسه من تحديث أنظمة برمجيات السيارة عن بعد ورصد المحرك وأداء توليد القوة والحصول على المعلومات المهمّة. يمكن القراءة بشكلٍ مفصّل عن ميزات السيارة المتّصلة والتقنية ذات الصلة في مقالنا السابق عن السيارات المتّصلة.
يركّز هذا المقال على المزايا الخلفية لتقنية السيارات المتّصلة، وتحديدًا البيانات الكبيرة.
استخدام البيانات الكبرى
توفّر السيارات التي تتيح خدمة الإنترنت للسائقين تجربة قيادة فائقة، وتقدّم أيضًا معلومات بغاية الأهمية حيث ستتمكّن الشركات من اكتشاف المزيد عن سلوك المستهلك من خلال جمع البيانات.
يمكن لهذه المعلومات الإجابة عن بعض الأسئلة الصعبة مثل: هل ثمّة صلة بين نوع الموسيقى والمطاعم ومحطات الوقود أو أماكن أخرى يفضّل السائقون زيارتها؟ أو كم من الوقت يستغرق السائقون في طريقهم من العمل وإليه وما هي الطرق التي يسلكونها؟ يمكن الكشف عن مجموعة واسعة من الترابطات من خلال جمع البيانات الكبيرة عبر السيارات المتّصلة.
تقنيات جمع البيانات
يمكن للبيانات التي يتمّ جمعها من السيارات أن تكون تقنيات بسيطة قائمة على الاستشعار لتسجيل الأداء والصيانة وسلوك أنظمة السيارات الحرجة ورصدها أو تقنيات أكثر تطورًا قائمة على تحديد المواقع العالمية والأقمار الصناعية مثل تتبّع وضعية السيارة وتسجيل الظروف الخارجية.
تطوّرت تقنيات جمع البيانات للسيارات على مرّ السنين باستخدام عروض التكنولوجيا الحالية مثل الأجهزة النقالة والأجهزة القابلة للارتداء والبيانات الكبيرة وذكاء الأعمال وتقنية السحابة ومواقع التواصل الاجتماعي. وكانت تقنيات الجمع تركّز بشكلٍ رئيسي على تحسين تجربة العملاء وتحقيق صحّة أفضل للسيارة.
وتوفّر السيارات المتّصلة معلومات يمكن استخدامها في عددٍ متنوّع من القطاعات، ونذكر أدناه الأربعة الرئيسيّة التي ستستفيد منها أكثر من غيرها.
-
أسطول السيارات المتّصلة
ستكون إدارة الأسطول إحدى أكبر الفوائد من السيارات المتّصلة بالنسبة للشركات. حاليًّا، تحتاج العديد من الشركات لإدارة المئات أو حتى الآلاف من مركبات الشركة. ومن خلال استخدام السيارات المتّصلة والبيانات الكبيرة، تكون الشركات قادرة على مراقبة أسطول مركباتها بشكلٍ أفضل والإشراف عليه. وتسمح مجموعة أجهزة الاستشعار في السيارات المتّصلة لهذه الشركات بتحليل البيانات المجمّعة والإجابة عن أسئلة مثل:
هل يلتزم السائقون بتقنيات الكبح لتحديد السرعة؟ هل يسلك السائقون الطرق المخصّصة لهم؟ هل يمكن للسائقين الاستفادة من الطرق السريعة التي لا تكون قيد الإنشاء أو المكتظة بحركة المرور؟ تتمكّن الشركات من خلال مراقبة أجهزة الاستشعار وتحليل البيانات الكبيرة، من الوصول إلى المعلومات لاتّخاذ قرارات مهمّة وإدارة السائقين والأعمال على نحو أكثر فعالية وكفاءة.
وسيساعد الوصول إلى البيانات الكبيرة الشركات في رصد المركبات بسهولة عبر الأنظمة للحفاظ على جودة الأداء. وستكون قادرة أيضًا على ضمان عدم إساءة استخدام السيارات من السائقين، ما سيخفّض تكاليف الصيانة مع مرور الوقت. وتكون هذه التقنية ذات فائدة كبيرة بفضل اكتساب صناعة مشاركة السيارات شعبية زائدة أيضًا. وتوظف شركات مثل Car2Go وZipcar الآلاف من المركبات في كلّ أنحاء العالم ما يجعل الأداء والجهوزية والصيانة عوامل حاسمة لنجاحها.
-
الطرق والبنية التحتية
توفّر الطرق المترابطة في كلّ أنحاء العالم كميات هائلة من البيانات بفضل تقنية الاتصال من المركبة إلى أي شيء الممكنة من خلال تقنية السيارات المتّصلة. وتكون كمية البيانات من الطرق هائلة سواء على أساس الطرق والحوادث أو الأضواء. وستزيد كمية البيانات التي يتمّ جمعها بشكلٍ كبير مع زيادة عدد السيارات المتّصلة.
ويمكن لمخططي المدن والمهندسين التخطيط بشكلٍ أفضل للطرق وسير حركة المرور باستخدام هذا الكمّ الهائل من البيانات. كما ستصبح أنظمة الملاحة في المركبات أكثر دقة بكثير في الكشف عن أسرع الطرق للسائقين. والأهمّ من ذلك أنّ أنظمة الإنذار المبكر يمكن أن تحذّر الناس من المخاطر على الطريق، مثل المنعطفات الحادّة وأعمال الطرق أو الأرصفة المخفية.
وبشكلٍ عام، يمكن أن يساعد جمع هذه البيانات المهندسين المدنيين في تصميم طرق أكثر كفاءة وأمانًا ليس فقط للسائقين، بل لركاب الدراجات والمتنقّلين أيضًا.
-
التأمين المجهّز حسب الطلب
تضع شركات تأمين السيارات تركيزًا كبيرًا على البيانات؛ فهي تملي بشكلٍ أساسيّ كافّة أعمالها. وستكون هذه الشركات قادرة على رصد أداء السائق وسلامته بفضل السيارات المتّصلة. وتطرح هذه المسألة بالتأكيد بعض القضايا الأخلاقية / المرتبطة بالخصوصية ولن يرحّب السائقون بفكرة شركات التأمين التي تؤدّي دور "الأخ الأكبر" من خلال رصدهم عبر أجهزة الاستشعار الخاصّة بهم.
للتغلّب على هذه المسألة، يمكن توفير خصم على بوليصة التأمين للسائقين الذين يحافظون على السلامة باستمرار ويقودون وفقًا لقواعد الطريق إذا أثبتوا عادات القيادة الآمنة من خلال البيانات الصادرة عن سياراتهم المتّصلة. وعلاوة على ذلك، فإنّ توافر البيانات له فائدة كبيرة لشركات التأمين في حال وقوع حوادث أو حوادث أخرى؛ إذ يمكن للشركات استخدام البيانات من السيارات المتّصلة لمعرفة ما حصل بالضبط.
وهذا يمكن أن يقلّل من الادعاءات الكاذبة ويساعد كلّ من شركات التأمين والسلطات القانونية في تحديد الجهة المسؤولة. ويمكن أن تزيد الحوافز للسائقين للقيادة بأمان مع كلّ هذه البيانات المتاحة لشركات التأمين، وبالتالي جعل الطرق أكثر أمانًا لجميع السائقين.
-
التسويق
يصبح تسويق المركبات أكثر فائدة عند استخدام البيانات التي يتمّ جمعها لتحليل المشاعر وتجزئة السوق. ويساعد الحصول على مثل هذه المعلومات عن السائق في إدارة الحملة وتكتيكات التسويق الأخرى لكلّ من المسوقين وتجار السيارات، وتمكينهم من وضع استراتيجية وزيادة المبيعات.
يُعتبر التسويق المجهّز حسب الطلب مفهومًا جديدًا نسبيًّا في مجال التسويق الرقمي. وتساعد ملفات تعريف العملاء المجمّعة باستخدام البيانات الكبيرة في دمج حملات التخصيص والتسويق. ويمكن للسائقين توقّع إعلانات ذات مغزى من الأماكن الأكثر زيارة أو المفضّلة لديهم أثناء وجودهم على الطرق المشتركة مثل المطاعم والمقاهي والمتاجر.
مستقبل السيارات المتّصلة
كانت صناعة السيارات تدفع باستمرار اعتماد تقنيات الجيل القادم. وفاجأت شركة تسلا معظم مصنّعي السيارات مع التقدّم التكنولوجي لطرازها S، ما شجّع العديد من الشركات المصنّعة مثل جنرال موتورز ومرسيدس وفورد للبدء في تغيير نماذج أعمالها واعتماد التقنية المتقدّمة.
وسيتمّ تطوير المزيد من الأدوات وخدمات الواي فاي والتطبيقات وغيرها من الابتكارات مع زيادة معدلات اعتماد السيارات المتّصلة. ونتيجة لذلك، سيتمّ إنتاج المزيد من البيانات وستظهر فرصٌ جديدة. وتعد صناعة البيانات الكبيرة والسيارات المتّصلة بالمزيد من الابتكارات الكبيرة ومن المتوقّع أن تتمتّع بنموّ كبير في السنوات المقبلة. وفي عام 2014، قدّرت شركة ماكينزي أن تبلغ قيمة السوق العالمية لمكونات وخدمات التوصيل نحو 38 مليار دولار. وبحلول عام 2020، تقدّر الشركة أن تنمو الصناعة إلى 215 مليار دولار.
من خلال هذا التقييم، يمكن توقّع حدوث تغييرات وابتكارات كبيرة في السنوات القليلة القادمة حيث سترتبط صناعات السيارات والتكنولوجيا بطريقةٍ أكبر. وتتحرّك شركات صناعة السيارات بسرعة نحو استخدام البيانات الكبيرة للتحليلات التنبؤية وإضفاء الطابع الشخصي والذكاء الاصطناعي، والتي بدورها تقود سوق السيارات المتّصلة وذاتية القيادة.
ومن المؤكّد أن تؤدّي البيانات الكبيرة دورًا مهمًّا في المستقبل القريب. ومع ذلك، لا يزال الأمن (استخدام البيانات الشخصية) أكبر قلق ومسألة تمنع صناع السيارات من الاعتماد على البيانات الكبيرة.