شهدت أزمة 2008 المصرفية كثير من الاضطرابات السياسية والاقتصادية المريرية، وبدا أن بعض المستثمرين في جميع أنحاء العالم يخاطرون بأموال لا ينبغي أن تكون معهم من الأساس. ظلت تساؤلات عديدة بدون إجابات شافية بعد مرور الأزمة، ولكن كل التفسيرات المطروحة تشير إلى أن الحوسبة السحابية* تتهددها كل المخاطر التي أدت للانهيار المالي العالمي، والذي قد ينذر بدوره بانهيار حوسبي عالمي.
على الرغم من الاختلافات الواضحة بينهما، فإن الحوسبة السحابية لديها الكثير من القواسم المشتركة والنظام المصرفي العالمي عندما يتعلق الأمر بإدارة الموارد القيّمة – البيانات في الحالة الأولى، والأموال في الثانية. يقوم الكيانان يتقديم خدمات عالية الحساسية، مثل القروض في حالة البنوك والحوسبة المتقدمة في السّحابة، بحيث لا يمكن للأفراد أو الشركات إدارتها بمفرديهما. علاوة على ذلك، فإن كل من البنوك والحوسبة السحابية يسمحان لك بالوصول إلى وإدارة مواردك الخاصة من أي مكان في العالم باستخدام الإنترنت.
الأهم من ذلك أن كليهما لا يسلمان من المخاطر. احتماليات سرقة أموالك من خزانة بيتك، أو تعطّل حاسوبك الخاص تبدو مرتفعة، مقارنة بالمال المودع في حسابك البنكي، أو البيانات المخزّنة على حاسوب آخر عن بُعد من خلال السحابة. البنك والسّحابة يقومان بحماية الأصول الخاصة بك عن طريق تجميع موارد ضخمة، منك ومن العملاء الآخرين، للاستثمار في استراتيجية فعالة من حيث التكلفة، وهي استخدام خزائن كبيرة أو حواسيب فائقة، وتعيين مكثف لفرق حراسة أو فرق أمن الشبكات، وما إلى ذلك. وهذا يُعد مفهومًا أساسيًا في عالم اليوم: القوة تكمن في الأرقام الكبيرة.
انهار النموذج المصرفي العالمي عندما قررت البنوك أنه بدلًا من تجميع الموارد معًا لتقليل المخاطر الخاصة بك، فإنها ستمضي قُدُمًا في الانتفاع بهذه الموارد للحدّ من مخاطرها الخاصة. توقع المصرفيون أنهم إذا أقدموا على جمع المزيد من القروض، فإن احتماليات الخسارة ستنخفض بشكل كبير، حتى لو خسرت هذه القروض، وكان كل ما قاموا به هو فقط التأكد من أن العوائد المحتملة ستكون أكبر من الخسائر المحتملة.
المشكلة في الاعتماد على الاحتمالية هو أن أمرًا ما سيحدث "على الأرجح." عندما تم تخصيص أموال أكثر وأكثر للاقتراض، لم يكن أحد مستعدًا** للخسارة، وعندما خسرت بعض القروض، انهار النظام على أعقابه بالكامل. الحوسبة السحابية ليست مأمونة العواقب كذلك سواء بسبب الڤيروسات أو القرصنة، ولكن قلّما يذكر أحد مخاطر جمع حجم كبير من البيانات على السّحابة.
السحابة مُعرّضة لعدد لا يُحصى من التهديدات في أي وقت من الأوقات، وكلما زاد عدد المستخدمين الذين يحمّلون وينزّلون البيانات منها وإليها، كلما زادت احتمالية هذه التهديدات. إذا نجحت واحدة من هذه التهديدات في خرق الجدار الأمني لإحدى الخدمات، سوف تتوالى فرص الخروقات الأخرى. بذلت غوغل جهدًا كبيرًا في تطوير خدماتها السحابية لمقاومة أي تهديدات أمنية محتملة، ونالت مؤخرًا شهادات اعتماد لفعالية نُظُمها الدفاعية. ولكن لا تني كل شركة تقنية أن تقدم الخدمات السحابية في هذه الأيام، وحالما تبلغ الخدمات السحابية نفس شعبية البنوك، مع انعدام وجود التنظيم اللازم، فإن المخاطر الأمنية ستتضاعف لكل هذه الخدمات.
انتشر إعلاميًا مطلع هذا الشهر حالة خرق أمني لحسابات أحد الكُتّاب في أحد المواقع الشهيرة، حيث دمر القراصنة "الحياة الرقمية" الكاملة لهذا الكاتب، من حسابات بنكية؛ بيانات؛ وكلمات مرور. الشق الأكبر من الكارثة كان بسبب إهمال الكاتب نفسه، ولكن هذا لا يمنع المخاطر التي تشكلها شبكة الإنترنت للسحابة. ماذا لو تنقّل ڤيروس ما من سحابة إلى أخرى، بدون سرقة هويات، مُسببًا فشل كل خادم مُخترق؟ إذا بلغت كل الشركات الكبرى نفس مستوى تأمين غوغل، ربما لن يكون هناك مشكلة، ولكن إلى الآن توجد كل الأسباب التي تدعو للاعتقاد بأن شركات الخدمات السحابية تهتم بالمكاسب المادية أكثر من حرصها على اتخاذ تدابير أمنية عالية.
قد تبدو الفكرة مُستبعدة، ولكن فكرة الانهيار الاقتصادي العالمي كانت مستبعدة لمعظم الناس في عام 2007. العديد من المؤشرات التي ظهرت في مجال الخدمات المصرفية تكرر نفسها اليوم في مجال الحوسبة، بدءا من تفتيت إدارة المخاطر، وليس نهاية بالتعدد والانتشار. اليوم يتم نقل بيانات المستخدمين لأطراف ثالثة لأسباب متعددة، مما يفصل مُقيّمي المخاطر عن هؤلاء الذين من المفترض أن يتعاملون معها ويتصدون لها. لا يُعني هذا في القطاع المصرفي سوى أن مُقدمي القروض لم يكونوا نفس المانحين الأصليين لها. وكما بيّن لنا التاريخ، لم يُدرّ هذا سوى عواقب وخيمة.
* الحوسبة السحابية (Cloud Computing) هي الخوادم، المصادر والأنظمة الحاسوبية المتوافرة تحت الطلب عن بُعد عبر شبكة الإنترنت، والتي تستطيع توفير عدد من الخدمات الحاسوبية المتكاملة، دون التقيّد بالموارد المحلية، بهدف التيسير على المستخدم، وتشمل تلك الموارد مساحات لتخذين البيانات؛ النسخ الاحتياطي؛ والمزامنة التلقائية. كما تشمل كذلك على قدرات المعالجة البرمجية؛ جدولة المهام؛ دفع البريد الإلكتروني؛ والطباعة عن بعد. عند الاتصال بشبكة الإنترنت، يستطيع المستخدم العادي التحكم في هذه الموارد عن طريق واجهة برمجية بسيطة. كل منّا يستخدم الخدمات السحابية في تعاملاتنا الإلكترونية اليومية، والأمثلة على هذه الخدمات كثيرة مثل "آي كلاود"؛ "سواقة غوغل" (Google Drive)؛ "درُب بوكس"؛ "سكاي درايڤ"؛ وغيرها الكثير.
** جميع روابط المقالة بالإنكليزية.