هل فكرت قبلذاك أثناء تجولك في متحف فني، "أن هذا العمل من شأنه أن يكون أجمل إن كان الفنان قد نفّذ هذا أو ذاك بشكل مختلف؟" القائمون على "متحف متروپوليتان للفنون" في نيويورك لمسوا هذه الرغبة، فاستضافوا هاكاثون ثلاثي الأبعاد لتنفيذ الغرض. عندما يزور الجمهور المتحف، بإمكانهم مسح الأعمال الفنية ضوئيًا وإضافة التعديلات التي يرغبون فيها. كيف يمكن هذا؟ الإجابة هي من خلال الطباعة ثلاثية الأبعاد، وهي تقنية تتقدم بسرعة، وتجعل من السهل جلب الأفكار التي كانت تنحصر سابقًا في عالم الخيال إلى الواقع بتكاليف بسيطة.
المفهوم وراء الطباعة ثلاثية الأبعاد بسيط الى حد كبير، وهو تنفيذ المهام تلقائيًا من خلال حاسوب فيما يُعرف بمسمّى الصياغة والتصميم بمساعدة الحاسوب (CADD). كانت هذه العملية في السابق لا تتحقق سوى من خلال إزالة المواد الصلبة، أو سكب المواد السائلة في قوالب، وتركها للتحجّر. الطباعة ثلاثية الأبعاد، على العكس من ذلك، هي مكوّن إضافي، حيث يتم بناء الأجسام قطعة قطعة مهما كان تعقيدها، مع التقليل من النفايات. وكما يقول موقع فاب.آت.هوم، وهو موقع مقدّم لخدمة الطباعة ثلاثية الأبعاد، لمستخدميه "انضم إلينا لتصنع أي شيء."
إذا كانت فكرة تصنيع أي منتج من الهلام تبدو دربًا من دروب الخيال، فهي على الأرجح لكونها كذلك فعلًا. الطباعة لا تقتصر فقط على الخامات المستخدمة، بل كذلك على المخططات الأساسية (Blueprints) الخاصة بهذه الآلات. قد تكون هذه التقنية مازالت في أولى أطوارها، ولكن المفاجأة أن الفكرة في حد ذاتها قد همّشت الحدود بين المهني والشخصي في مجالات النحت، الصناعة والتشييد، بل فتحت الباب لإمكانية تخيّل إنتاج أدوات مُخصصة حسب الطلب، وبكميات كبيرة.
التقنية ليست بالجديدة، فهي تعود لثمانينات القرن الماضي، عندما تم استخدامها لانتاج نماذج أولية في وقت قصير. بيد أن تقدم تقنيات الطباعة في الآونة الأخيرة دفع للتفكير في كيفية تحويل الطباعة ثلاثية الأبعاد من مجرد مساعد للإنتاج إلى تشكيلها لخطوط الإنتاج نفسها. بعض من هذه الأساليب تشمل تقنية "تلبّد الليزر الانتقائية" (SLS)، والتي تستخدم أشعة الليزر لترسيخ فراغات دقيقة بين جسيمات المواد السائلة، والتي يمكن بعد ذلك تجفيفها وصهرها، فتذوب المواد الصلبة تحت درجات حرارة مرتفعة قبل استخراجها في أشكال محددة وتركها للتصلّب.
واحدة من الفوائد الجوهرية لهذه التقنية هو مدى فعالية استخدامها على نطاق صغير. قبل ذلك، كان لابد توفير استثمار مستقل يشتمل على خط إنتاج كامل لكل منتج على حدة. ولأن ذلك مكلّف للغاية، كانت المنتجات الضرورية أو العامة هي فقط التي تُعد فعّالة من حيث التكلفة.
الطباعة ثلاثية الأبعاد، من ناحية أخرى، تتطلب تخصصًا بسيطًا جدًا في خط إنتاجها، بمعنى أن استثمار واحد أوليّ كفيل بإنتاج عدد لا حصر له من المنتجات باستخدام تصميمات حوسبية مختلفة. الحقل الرقمي هو الملعب الرئيسي لهذه التقنية، وليست براءات الاختراع التقنية. أبدت بعض الشركات القلق بشأن حقوق الملكية الفكرية، حيث أمسى تبادل المنتجات الجديدة لا يعتمد على حجم البضائع، ولكن على عرض النطاق الترددي لشبكة الإنترنت.
التخصيص الدقيق، وانعدام الحاجة لصناعة كبيرة ومكلفة يُعني أيضًا أن التصنيع في الأماكن التي تفتقر إلى البنية الأساسية أصبح ممكنًا. مائة عام من التقدم الصناعي لم يعد ضروريًا للصناعة، بل وجود العقول، القدرة على الوصول إلى حاسوب، وبضعة آلاف دولارات صارت هي المتطلبات الثلاثة الرئيسية للصناعة باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد. في الواقع، إن التشييد ثلاثي الأبعاد قد يهمّش دور التشييد بشكله المعروف حاليًا، كونه يمحي القيود الموجودة.
من ضمن الآثار الكثيرة المحتملة لثورة من هذا القبيل، تبدر أبرزها على الشركات الصغيرة والفنانين. تكلفة التقنية المنخفضة يجعلها سهلة المنال، مما يفتح الباب أمام إمكانية إنتاجها حسب الطلب من متاجر التجزئة مباشرةً. يمكن للعملاء تحميل تصميماتهم على موقع مقدم للخدمة على شبكة الانترنت، واستلام المنتج النهائي في عدة أيام. النتيجة الحتمية هي أن التقنية المتقدمة المنطوية عليها الطباعة ثلاثية الأبعاد قد تصير سلاحًا ذا حدين، حيث أنه في حالة عطل الطابعة الخاصة بشركتك، يبدر أملك الوحيد أن يحدث ذلك أثناء ساعات العمل، وإلا توقّف الإنتاج، وبالتالي أعرض الزبائن عن خدمتك.
هناك الكثير من التحديات التي تكمن تحت سطح الطموحات المرتفع لتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، بما في ذلك تصاميم الحاسوب المعقدة والخامات المُستخدمة. ومع ذلك، فإن الطبيعة الرقمية للتقنية لا تُعني سوى قدرة المستهلكين على الاستفادة منها، بينما لا يزال العمل على إصلاح مكامن الخلل قائمًا. مجتمع فاب.آت.هوم يمكّنك من تبادل التصاميم للاستخدام المنزلي، ولذلك إذا لم تكن مضطلعًا ببرمجيات التصميم بمساعدة الحاسوب على الأقل، أو خصائص أو مقادير خامات الإنتاج، فهناك أحد ما على دراية بذلك، وهو بانتظارك على موقع ويكي لإمدادك ببعض الإرشادات.
* جميع الروابط، باستثناء رابط واحد لموقع ويكيپديا، بالإنكليزية.