حظي "عرب نت" مؤخّرًا بفرصة التعرّف إلى "أندريا" التي هي مجلة ثقافية إلكترونية ومجتمع ثقافي إلكتروني، وهي تُدار من قِبَل رائدات أعمال. وهل تعرفون من أيّ بلد هنّ؟ إنّهنّ من السودانَيْن!
وإن كانت ردّة فعلكم الأولى هي التعجّب من ذكر السودانَيْن، فتعجّبكم هذا في محلّه باعتبار أنّ الإعلام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفي دول مجلس التعاون الخليجي نادرًا ما يأتي على ذكر اقتصاد السودانَيْن الرقمي وثقافتهما الرقمية. لذا لا بدّ من إيضاح بعض المفاهيم الخاطئة. (وقد احتاج كاتب هذا النص إلى بضعة ثوانٍ ليُدرك معنى كلمة "السودانَيْن").
والآن بإمكانكم أن تدركوا بشكل أفضل لِمَا قرّرت مؤسِّسَتا "أندريا" أمنية شوكت وسلمى أمين أن توحّدا جهودهما وتبنيا منصّتهما الإلكترونية.
فشوكت تقول إنّ «"أندريا" وُلدت نتيجة الحاجة إلى سدّ نقص واضح متمثّل في قلّة إظهار حضور السودان وجنوب السودان في المجال الثقافي، والفنّي، والترفيهي التعليمي على الإنترنت. لذا حملنا على عاتقنا إعلامَ الناسِ بما يحصل، وتعليم المجتمع، وأخيرًا إلهام الآخرين».
وتدافع رائدتا الأعمال شوكت وأمين عن حقوق المرأة في أمكنة العمل وفي المجتمع بشكل عام. وقد كانت شوكت متحدّثةً في الفعاليّة المتعلّقة باقتصاد المرأة التي جرت مؤخّرًا لمناقشة كيف يمكن للجيل الجديد أن يتطوّر مهنيًّا إلى ما هو أبعد من مكان العمل، مازجًا بين الإبداع وبين النجاح في العمل والحصة السوقية والاستقلالية.
الإنجازات الصغيرة لنساء السودان
على الورق نجد أنّ وضع النساء في السودانَيْن أفضل من وضعهنّ في بلدان أخرى، فتعليم المرأة هناك بدأ منذ العام 1903، وأوّل صفّ جامعيّ للنساء اعتُمِدَ عام 1930، واليوم يفوق عدد النساء المتخرّجات من برامج البكالوريوس الوطنية عددَ الخرّيجين الذكور من البرامج نفسها.
وكذلك نالت النساء السودانيّات حقّ المساواة في الرواتب في منتصف السبعينات، وهنّ في أغلب الأحيان يشغلن في المؤسّسات العامّة والخاصّة مناصب ذات أدنى مستوى ومناصب إدارية ذات مستوى متوسّط. فالعدد المتزايد للشابّات السودانيّات اللواتي يحملن شهادات عليا يدفع أرباب العمل إلى الاعتراف بهنّ وتوفير مزيد من المناصب الإدارية ذات المستوى المتوسّط لهنّ. ورغم ذلك تمنع الأدوار التقليدية الموكلة إلى كلٍّ من الجنسين السودانيّاتِ من أن يشغلن مناصب رفيعة المستوى.
وتقول أمين إنّه «يمكن القول إنّ كلا الجنسين يعانيان من النقص في فرص العمل وفرص التقدّم المهني، ممّا يؤدّي بكثير من السودانيين إلى البحث عن عمل خارج البلاد». لكن في معظم العائلات تُثنى الشابّات السودانيات بحسب أمين عن البحث عن عمل خارج السودان بغضّ النظر عن مدى الفائدة التي يمكن لفرصة عمل أن تحقّقها لأولئك الشابّات ولعائلاتهنّ أيضًا.
وبالتالي تبقى النساء السودانيّات في السودان لتواجه سوقًا راكدًا، ورواتب منخفضة، وسقفًا زجاجيًّا واضحًا.
وتقول شوكت «إنّ السقف الزجاجيّ بطيء لكنّه بالتأكيد يُرفع إلى مستويات أعلى، والمطلوب اليوم هو المزيد من نماذج (نسائية) في الحكومة وفي عالم الأعمال وفي المجتمع المدني، وذلك ما بات يحصل فعلًا إذ نجد قائدات في المجتمع المدني، ونساء تُعيّن في الحكومة، وصاحبات أعمال».
والنساء هنّ الركيزة الرئيسية للقطاع غير الرسمي خاصّة في المهن التقليدية. وروح الريادة والاكتفاء الذاتي التي يتمتّعن بها هي القوّة الدافعة التي تقف وراء مبادرات كـ"أندريا" التي أطلقتها شوكت وأمين. وتقول شوكت إنّ تواجد النساء في المقدّمة وعدم الخجل من أن يكنّ هناك هما أمران يقعان على عاتق النساء أنفسهنّ.
"أندريا" صوت من أصوات جيل
نشأت "أندريا" من محادثة جرت بين شوكت وأمين عن إمكانية نشر المعلومات والآراء في العصر الرقمي.
وتقول أمين: «كان يغيظنا على نحو غير اعتياديّ النقصُ الهائل في تمثيل رقمي بارع للسودانَيْن على الإنترنت يكون مستقلًّا ويركّز على التكنولوجيا والمرأة. ونحن إذ اعترفنا بأنّ للسودان ولجنوب السودان مشاكل عميقة على مختلف الصُّعُد، أردنا أن نقوم بشيء ما يعيد تشكيل نظرة الناس إلى السودانيْن على الإنترنت وشعورهم تجاه السودانيْن على الإنترنت ومشاركتهم في حضور السودانَيْن على الإنترنت».
وقد انتقلتِ الصديقتان (اللتان كانتا في البداية في كاليفورنيا والدوحة) إلى العمل لتجمعا عن بعد أشخاصًا موهوبين ومتحمّسين وذوي خلفيّات وأفكار مختلفة، وذلك للبدء في بناء منصّات رقمية متعدّدة عن قضايا تعليمية ترفيهية وعن قضايا التكنولوجيا، وقضايا المرأة، والقضايا المعاصرة.
أمّا الجمهور المستهدف فكان شريحة واسعة من المجتمعات الواعية اجتماعيًّا والخبيرة بالتكنولوجيا والمتعطشة للمعلومات، والملمّة بالأحوال الدولية، والعارفة بشؤون تتعلّق بالسودانَيْن وغيرهما. وبعبارة أخرى كانت شوكت وأمين تريدان أن تؤدّيا دورًا فعّالًا في جعل السودان جزءًا من المجتمع الرقمي العالمي.
وما تقدّمه شوكت وأمين هو معلومات، وتقول أمين: «إنّنا نجمع بيانات رقمية ثقافية ومعاصرة حول قضايا من السودان وجنوب السودان».
وبناء الموقع الإلكتروني وإضافة المحتوى إليه هو عمليّة مستمرّة، إذ تقول شوكت: «إنّنا ما زلنا نعدّل الأمور وفق ما نتلقّاه من ملاحظات من زملائنا وداعمينا. ونحن نأمل أن نتوصّل إلى إنشاء موقع إلكتروني مناسب للحواسيب والهواتف المحمولة وسهل التصفّح والفتح».
وحتّى الآن حصلت مؤسِّسَتا "أندريا" على استثمارات في المنصّة الإلكترونية من خلال جهودهما الخاصّة، وهما تعتمدان نموذج العمل المرن وتركّزان على الدفع مقابل المشاريع الحرّة بدل بناء بنية تحتية في الوقت الحالي. وتقول أمين إنّ ذلك مكّن من تحليل المكان المناسب لتسويق ذلك النوع من المنصّات الإلكترونية كما مكّن من الاستنتاج أنّ هذه المنصّة يمكن أن تستمرّ بنفسها في المستقبل.
اقتصاد السودان الرقمي الناشئ
إنّ الهواتف المحمولة مُستخدمة على نطاق واسع في السودان إذ يقدّر عدد مستخدميها بـ27 مليون من بينهم 10 ملايين مستخدم للإنترنت النقّال (أي ما يعادل ثلث عدد سكان السودان). وبحسب استطلاع رأي ضيّق النطاق أجرته "أندريا" فإنّ معظم أولئك المستخدمين يعتمدون على الـ"فيسبوك" والـ"واتسآب" للتواصل مع أقربائهم وأصدقائهم البعيدين ولقراءة الأخبار والمشاركة في الأحاديث الثقافية والثرثرات.
لكن لا يزال اقتصاد السودان الرقمي متأخّرًا عن غيره في بقيّة البلدان بسبب العقوبات المفروضة على المنتجات الرقمية في السودان وبسبب الحظر الأمريكي على تلك المنتجات فيه. وتقول شوكت إنّ «تعميم فكرة الاقتصاد الرقمي ودفع الناس إلى التسوّق والدفع الإلكتروني كأداتيْن فعّالتيْن وإلى الثقة بهما يشكّلان تحديًّا دائمًا».
وقد عدّدت شوكت وأمين بعض المبادرات التي استطاعت أن تثبت نفسها في السوق برغم التحديات التي واجهتها مثل سوق "نايل سوق" (NileSooq) و"بيروني" (ElBiruni) الذي هو موقع إلكتروني على نمط موقع "أمازن" (Amazon) يبيع كتبًا سودانية ويوصلها.
ولسيت "أندريا" اللاعب الوحيد في قطاع الثقافة الإلكترونية والنشر الفنّي، فحاليًّا يوجد أيضًا منصّتان غير "أندريا"، وهما تقريبًا في المرحلة نفسها من النموّ، وهما "ذا نايلز" (The Niles) و"500 ووردسماغ" (500wordsmag)، زد عليهما "أكسبو ماغ" (XpoMag).
وحتّى الآن تتطلّع "أندريا" إلى مزيد من الشراكات المحلية مع أفراد ومؤسسات يحملون أفكار واهتمامات مشابهة لأفكار "أندريا" واهتماماتها. وتستمرّ "أندريا" في النموّ مع انجذاب مزيد من الناس إلى حسّ الانتماء إلى المجتمع الذي يمتلك جزءًا من "أندريا" ويتشارك معها استراتيجية التوسّع.
وتقول أمين إنّه يجري الآن التخطيط لتطوير تطبيق إلكتروني للمجلة ليكون الموقع الإلكتروني الحالي مناسبًا أكثر للهواتف المحمولة، وليزداد حضور "أندريا" في الإعلام الاجتماعي وفعاليّتها فيه. وتضيف أمين إنّ ذلك سيضمن أن تكون "أندريا" متاحة أمام جمهورها متى أرادوا وكيفما شاؤوا أن يستهلكوا محتواها.
ويشمل محتوى "أندريا" حاليًّا نصوصًا، ومقاطع فيديو، وصورًا، ويُخطّط لإضافة مقاطع فيديو تنتجها "أندريا" في العام 2016.
وتقول شوكت إنّهم أدركوا أنّ الناس باتت معتادة على نحو متزايد على تلقّي المعلومات بدل التفاعل مع المحتوى الرقمي، لذا تضيف قائلةً: «إنّنا نخطّط لتحريك هذا التفاعل عبر استطلاعات الرأي، والمسوحات، والمنافسات، وغير ذلك من الأدوات لإشراك المستخدمين ومعرفة تفضيلاتهم واهتماماتهم على نطاق ضيق».